إدارة الشئون الفنية
العشر الأول من ذي الحجة

العشر الأول من ذي الحجة

24 يوليو 2020

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 3 من ذي الحجة 1441هـ - الموافق 24 / 7 / 2020م

 

الْعَشْرُ الأُوَلُ مِنْ ذِي الحِجَّةِ

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْـدُ:

أُوصِيكُمْ عباد الله- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ( [الأحزاب:70-71].

عِبَادَ اللهِ:

تَعِيشُ الأمَّةُ الإِسلاميَّةُ أيَّامَ العَشْرِ الأُوَلَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ الَّتِي أَقْسَمَ اللهُ بِلَيَالِيهَا فِي الْكِتَابِ، وَ عَظَّمَ شَأْنَهَا فِي مُحْكَمِ الْخِطَابِ، فِي ظِلِّ ظُروفٍ صِحِّيَّةٍ لا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنَّا، ظُرُوفٍ لا تَمْنَعُ حُرْمَتَها وَلَا تَنْقُصُ قَدْرَهَا؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ( [الفجر:1-2].

وأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ منها فِي هَذِهِ (أَيْ: العَشْرَ الأُوَلَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ) ؟ قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ».

أَلا وَإِنَّ لِهَذِهِ الأَيَّامِ الْمُبَارَكَاتِ مَزايا مُتَعَدِّدَةً، مِنْهَا: أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهَا لِمَا لها من عظيمِ الفَضْلِ، وأَنَّهَا وَاقِعَةٌ فِي الأَشْهُرِ الْحُرُمِ التِي لَهَا فَضْلٌ مَشْهُودٌ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وأَنَّهَا أَيَّامٌ جليلةٌ عِظَامٌ؛ شَرَعَ اللهُ فِيهَا ذِكْرَهُ عَلَى مَا رَزَقَ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: )وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ( [الحج:27-28]، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» [أخرجهُ أَحْمَدُ]. وَمِنْهَا أَنَّ صِيَامَهَا لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ صِيَامِ النَّوافلِ، حَيْثُ شَرَعَ اللهُ لِعِبَادِهِ صِيَامَها وضاعفَ فيها أجْرَ العاملِ، مَا عَدَا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَكَذَا التَّاسِعُ لِلْحَاجِّ فلا يُشْرَعُ صِيَامُهُما، وَمِنْهَا أَنَّ فِيهَا يَوْمَ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ صِيَامُهُ ذُنُوبَ سَنَتَيْنِ؛ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ»، وَمِنْهَا أَنَّ فِيهَا يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمَ النَّحْرِ الذِي يُكْمِلُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ أكثرَ حَجِّهِمْ وَيَنْحَرُونَ أَضاحِيَّهُمْ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ» وَهُوَ الْيَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنَ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْبَيَانِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ الْوَاحِدِ الأَحَدِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْفَرْدُ الصَّمَدُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عليه وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعينَ.

أَمَّا بَعْـدُ: فَأُوصِيكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، وَأَخْلِصُوا لِوَجْهِ اللهِ، وَتَهَيَّؤُوا لِلْقُدُومِ عَلَيهِ؛ فَإِنَّكُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ صَادَفَ فِي هَذَا العَامِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ المُسْلِمينَ عَزَمُوا عَلَى أَداءِ الرُّكْنِ الخامِسِ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، وَكانَ قَصْدُهُمُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَلكِنَّ هَذا البَلاءَ الَّذِي عَمَّ البِلادَ أَقْعَدَهُمْ، وَأَعْيُنُهُمْ تَفيضُ مِنَ الدَّمْعِ عَلَى مَا فَاتَهُمْ، مَعَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْقَاعِدَ لِعُذْرٍ شَرِيكُ السَّائِرِ، ثَبَتَ أَجْرُهُ وَكُتِبَ ثَوابُهُ، وَإِنْ كَانَ فَاتَ أَكْثَرَ المُسلِمينَ الحَجُّ فِي هَذَا العَامِ فَإِنَّ فِي هَذِهِ العَشْرِ مُتَّسَعٌ لِلعَمَلِ حَتَّى وَإِنْ كَانُوا فِي دِيارِهِمْ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ تَذَكَّرَ وَاعْتَبَرَ، وَتَأَمَّلَ فِي عَظِيمِ نِعَمِ اللهِ عَلَيهِ، فَمَنْ وُفِّقَ إِلَى أَداءِ الطَّاعَاتِ فَهُوَ المُوفَّقُ السَّعيدُ، وَمَنْ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَعْمَالاً صَالِحَةً تُقْعِدُهُ مَقَاعِدَ الشَّرَفِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَقَدْ فَازَ بَالْغَنِيمَة الَّتِي لَا تَعْدِلُها غَنِيمَةٌ، فَأَكثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ، وَالذِّكْرِ وَالتَّبْجِيلِ، وَالدَّعَوَاتِ وَالتَّكْبِيرِ، وَتِلاوَةِ القُرْآنِ الكَريمِ، صُومُوا نَهَارَهَا وَقُومُوا لَيَالِيَهَا، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَتَصَدَّقُوا بِمَا تَجُودُ بِهِ أَنْفُسُكُمْ. وَأَدُّوا سُنَّةَ نَبيِّكُمْ بِذَبْحِ الأَضَاحِيِّ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ شُرِعَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ لاَ يَأْخُذَ شَيْئاً مِنْ شَعْرِهِ أَوْ أَظْفارِهِ بِدُخُولِ الْعَشْرِ حَتَّى يُضَحِّيَ؛ فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

وَلَا يَفُوتُنَا أَنْ نُذَكِّرَكُمْ -مَعاشِرَ الكِرَامِ- بِضَرُورَةِ مرَاعاةِ الضَّوابِطِ الشَّرْعيَّةِ، وَالأخْذِ بِالنَّصائِحِ وَالتَّوصياتِ الصِّحِّيَّةِ، مِنْ وُجوبِ الالتِزامِ بِالتَّباعُدِ، وَلُبْسِ الكِمامَةِ، وَتعْقيمِ الأَيْدِي، وَعدَمِ التَّزاحُمِ فِي المَساجِدِ وَكَذلِكَ الأَماكِنِ العَامَّةِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ؛ وَالأَئِمَّةِ الْحُنَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ، أُولِي الْفَضْلِ الْجَلِيِّ؛ وَالْقَدْرِ الْعَلِيِّ: أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ؛ وَعُمَرَ الْفَارُوقِ؛ وَذِي النُّورَيْنِ عُثْمَانَ؛ وَأَبِي السِّبْطَيْنِ عَلِيٍّ.

اللَّهُمَّ إِنَا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا البَلَاءَ وَالوَبَاءَ ، اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. اللَّهمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا لِهُدَاكَ، وَاجَعَلْ أعْمَالَهُ فِي رِضَاكَ، وأَلْبِسْهُ ثَوبَ الصِّحَّةِ وَالعَافِيةِ، وَمُنَّ عَلَيهِ بِدَوامِ الشِّفَاءِ، اللَّهمَّ وَوَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ الأَمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني